كيف أتخلص من التسويف؟ | 7 خطوات لحياة بدون تشتت

 
تعتبر آفة التسويف من آفات العصر التي يتحدث عنها الجميع ويعاني منها الأغلب، ففي عصر تتنافس فيه مختلف الأطراف لتسترعي انتباهنا وتعتمد شركات عالمية على تسليع وقتنا في تحقيق أرباحها لا بد أن نعاني من تشتت كبير يؤدي بنا إلى تبني عادات لا تكون بالضرورة جيدة لحياتنا، ومنها التسويف الذي يجعلنا نماطل ونؤجل القيام بأعمال مهمة دون أي سبب. 


لكن من أجل أن لا تمر بنا الحياة مرور الكرام دون أن نشعر بها يتوجب علينا أخذ زمام الأمور والعمل على التخلص من هذه الآفة لنعيش حياتنا ولا نكون مجرد أشباح فيها. هناك العديد من الطرق والخطوات التي يمكن أن نتبعها للتغلب على هذه العادة والانطلاق نحو حياة أفضل. 


التعرف على طبيعة التسويف وأسبابه النفسية:  

 تتحدث نظرية الاستحقاق الذاتي لتحقيق التحفيز عن مدى أهمية أن نرى أنفسنا في أعين الآخرين على أننا أشخاص ذو كفاءة ومهارة وقادرين على النجاح، وأن الخوف من أن لا نرى أنفسنا أو أن لا يرنا الآخرون بهذه الصورة قد يدفعنا إما للعمل بجهد لنثبت هذه الاستحقاق الذاتي أو العكس تماماً وهو أن لا نفعل أي شيء ونماطل وبالتالي لا تكون قيمتنا على المحك. 


من هنا نستطيع أن نفهم طبيعة آفة التسويف وكيف تبدأ، إذ أننا إذا ربطنا تقديرنا لذاتنا بعدد الإنجازات والأعمال أو العلامات التي نحصل عليها يصبح التسويف بمثابة استراتجية لحماية أنفسنا نستخدمها للتعامل مع هذه الدوافع المتضاربة، إذ أننا من جهة نريد إثبات أنفسنا وقيمتنا، ومن جهة أخرى لا نريد أن نواجه الفشل أو تقديم أقل مما هو متوقع منا. 


التعرف على الذات: 

وهذا من أهم عوامل النجاح في التغلب على أي سلوك غير مرغوب فيه هو التعرف على ذواتنا بداية وقبل كل شيء. قد يبدو الأمر بديهياً ولكن في الحقيقة ليس بالسهولة التي قد نتصورها. من الصعب أن نجلس مع أنفسنا ونخوض نقاشاً يتضمن اكتشافنا للأسباب التي تؤدي بنا للمماطلة واللجوء للتسويف عندما يأتي الأمر للعمل على أمور تهمنا ونطمح بالعمل عليها. 


قد تعطينا نظرية الاستحقاق الذاتي مدخلاً نستطيع أن نتعرف من خلاله على المخاوف التي لا نريد مواجهتها، ولكن من تلك النقطة يتوجب علينا العمل على أسباب التسويف الخاصة بشخصنا فلكل منا ماضٍ وحياة وعادات مختلفة تتطلب أن نتعامل معها ونحللها لنستطيع المضي قدماً. 


التغلب على المقاومة والعمل باحترافية:

 في الأغلب عندما يأتي الأمر للقيام بالواجبات الدراسية أو المهام الخاصة بالعمل يأتي معها موعد تسليم واضح ومهما قمنا بالتأجيل والتسويف قبل أن يأتي ذلك الموعد نعمل على إنهاء هذه النوعية من المهام، ولكن عندما يأتي الأمر لأحلامنا ومشاريعنا الخاصة التي لا تأتي مع موعد تسليم ملحق معها هنا يكون التسويف خطيراً. 


يتحدث الكاتب ستيفن بريسفيل في كتابه حرب الفن كيف تتجاوز العقبات وتنتصر في معارك الإبداع عن المقاومة التي يشعر بها الغالبية العظمى من البشر عندما يشرعون بالتفكير في أحلامهم والأهداف الشخصية التي يطمحون لتحقيقها. 


يوضح بريسفيل أن هذه المقاومة بالمقدار تكون مساوية لمدى أهمية العمل على هذا المشروع أو الحلم ولكن الخوف من الفشل أو المخاطرة يولد لدينا هذه المقاومة التي بدورها تتحول إلى التسويف والجملة التي نكررها بشكل يومي: 

سوف ابدأ بالعمل غداً. 

 

يرى بريسفيل أن الطريقة الوحيدة للتغلب على هذه المشكلة هي بالتعامل مع هذه الأحلام والمشاريع على أنها بمثابة شيء يتوجب علينا التعامل عليه باحترافية مثل الجامعة أو العمل المكتبي من خلال تخصيص وقت محدد والالتزام به كل يوم. 


التعامل مع المهام على أنها خطوات بسيطة وسهلة:

 هناك علاقة عكسية بين الدافعية للإنجاز والتسويف، فكل ما كنا متحفزين أكثر كلما قلت نسبة التسويف فيكون السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن أن نرفع من نسبة الدافعية؟ يرى بيرس ستيل في كتابه (معادلة التسويف) أنه من المهم التركيز على عاملين من أجل رفع دافعيتنا تجاه العمل: قيمة العمل (Value) وتوقعاتك لقدرتك على تنفيذ العمل (Expectancy). 


نستطيع أن نستخلص من ذلك أنه عندما نحاول العمل على بحث دراسي أو مهمة في العمل يجب أن ننظر إلى هذه الأمور على أنها عبارة عن مجموعة من المهام الصغيرة التي نبدأ فيها من الصفر ونكملها بالتدريج حتى تتم، عندها تكون توقعاتنا اتجاه قدرتنا على إنجاز هذه المهام أكبر وبالتالي نعمل عليها دون الحاجة للتسويف. 


الابتعاد عن تضخيم النتائج: 

من خلال استخدام نفس معادلة التسويف يمكن استنتاج أنه عندما نتوقع نتائج بعيدة عن المثالية بل وواقعية لا نستمر بالعمل فحسب بل وترتفع إنتاجيتنا وديمومة عزيمتنا على العمل! فعندما لا نتوقع من أنفسنا أننا من البداية سنكتب أفضل كتاب في العالم أو نرسم أجمل لوحة في التاريخ يكون هناك مساحة للعطاء والتقبل وقابلية للتحسن والازدهار، وهذه النوعية من المشاعر تحفزنا على الاستمرار ولا تدفعنا نحو المماطلة. 


تبني نظام تحفيزي مناسب لشخصك: 

 لأننا نعيش في عالم السرعة والإشباع اللحظي حيث لا نحتاج للكثير من الوقت لنشعر بالمتعة إذ أنه ليس علينا سوا أن نفتح أجهزتنا الذكية ليندفع الدوبامين للدماغ الذي بدوره يولد شعوراً بالرضى والسعادة، فإن العمل لوقت طويل على مشاريعنا وأحلامنا يصبح أمراً صعباً لأن النتائج السارة التي تدفع الدوبامين إلى الدماغ تأخذ وقتاً طويلاً نسبياً عندما نقارنه بمشاهدة التلفاز أو مقاطع الفيديو القصيرة على تيك توك والانستغرام. 


أسهل طريقة في التعامل مع هذه المعضلة هي ليست من خلال الحرمان فهذا سيؤدي إلى نتائج عكسية، ما يتوجب فعله هو بناء نظام تحفيزي خاص بنا يتناسب مع الأمور التي تسعدنا ونستمتع بها. مثال على ذلك يكون بأن نشجع أنفسنا على إنجاز واحدة من المهام المترتبة علينا من خلال تخصيص مكافأة لأنفسنا بعد أن ننجزها مثل مشاهدة حلقة من المسلسل الذي نتابعه أو الذهاب لرؤية بعض الأصدقاء وغير ذلك من الأمور. 


بعد أن نعتاد على هذا النظام يمكن أن نعمل على جعله أكثر فعالية من خلال استبدال بعض العادات التي نحاول أن نتخلص منها مثل مشاهدة التلفاز وتمضية الوقت على وسائل التواصل الاجتماعية بممارسة التمارين أو التمشي أو تعلم الرسم، وبذلك يمكن أن تصبح المكافأة في حد ذاتها فرصة للتعلم والازدهار. 


الالتزام بخطة يومية وأسبوعية وشهرية: 

 لا يمكن الاعتماد على الدافعية وحدها في تحقيق أهداف طويلة المدى، فإذا لم نكن على أهبة الاستعداد لأيام وظروف غير متوقعة قد نرجع إلى بداية الطريق إن لم نكن حذرين ومستعدين. من المهم التفكير بخطة ولو كانت لمجرد ساعتين من اليوم تخبرنا كل يوم بما يتوجب علينا فعله وما هي نتائج هذا الأيام في الأسبوع والشهر وهكذا. هذا لا يعني أنه علينا العمل على جداول صارمة تبعث على الإحباط والملل، 


فكما تحدثنا سابقاً يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تفضيلاتنا. يمكن أن يكون العمل على هذه الخطط مسلياً وشخصياً، فلكل واحد منا طريقته الخاصة بعمل الأشياء وبالتالي يمكن أن يكون التخطيط مسلياً للغاية! 


في النهاية، لكل منا أسبابه الخاصة التي تدفع به للتسويف، ولكن أيضا لكل منا أحلامه وتطلعاته للمستقبل. وعندنا نستطيع فهم العوامل التي تدفع بنا نحو المماطلة، يصبح الطريق أقل ضبابية ويصبح أخذ خطوات جريئة أسهل. أتمنى أن تكون هذه الخطوات عوناً في الرحلة نحو حياة مليئة بعيش اللحظة وعدم التسويف!


كاتب فاتح شهية: باسمة أبو الحمص 

تحرير: مينا عطية

Photo Credit; pinterest.com 

0 تعليقات